Saturday 28 January 2012

طقوس الافتقاد



كنت أبدو غريبا .. و أنا أقف فى هذا الوقت من الغروب على شاطىء البحر فى يوم من أيام الشتاء البارده... ممسكا بمظلتى فى يدى محتميا بها من قطرات المطر التى بدأت فى التساقط ... مختبئا خلف معطفى الثقيل ..  و أنا أنظر الى امواج البحر المتلاطمه أمامى .. و من بعيد تلوح الشمس فى الأفق و هى تهبط الى مرقدها اليومى خلف الأفق و قد اصطبغت باللون الأحمر الداكن البديع .. لتضفى على المشهد لحظة مهيبة من التأمل و التفكير ....
 كنت قد أوقفت السياره خلفى و كانت لا تزال ابوابها مفتوحه و ينساب من داخلها صوت الموسيقى  ... كانت واحده من أروع سيمفونيات بيتهوفن .. تنساب الموسيقى من جنبات
...السياره لتتلقفها اذنى بالمزيد من الشغف

 هى طقوس لم أعتادها مجتمعه من قبل ...


لحظات الغروب ... أمواج البحر ... أمطار الشتاء .... لحظات السفر ....و  الموسيقى الحالمه...

كل هذه الطقوس .. كانت كل واحده منهن كفيله بأن تجعلنى غارقا فى التفكير لساعات و ساعات ... مسترجعا كل خطا و أحزان الماضى ... مستذكرا وعودا و أحلاما لم تكتمل .. و جاعله العديد من الذكريات البعيده تطفو الى سطح ذاكرتى و كأنى فارقتها بالأمس .. 

كانت كل من هذه الطقوس تنتقم منى شر أنتقام ... كل على حده .. العديد من المرات و على مدار السنين .... لتحيل سعاده لحظاتى الى ألم و أشتياق ... و غربه و افتقاد .. لأحلام و و أيام عشتها و لم يشأ لها الله أن تكتمل.. و قادتنى الأقدار ألى نهايات لم اكن احسب لها اى حساب  ...

لم أكن احتاج الى مرآه لأنظر أليها لأعلم كم تغيرت كثيرا فوجهى به تجاعيد أقل بكثير مما يحمله داخلى ..

 و الأن كل هذه الطقوس قد أجتمعت على فى تلك اللحظه ... و أنا اردتها كذلك ... لأنهى معاناه سنين من القتل البطىء ...

أيها الغروب ... كم قضيت من السنين أتأملك .. و الشمس تودع النهار وداعها اليومى لتذكرنى دائما بأن لحظات الشروق لابد لها من انتهاء .. و أن نظريه الكون و الوجود قائمه على التغيير و الدوران .. لا على الثبات و الدوام ... كم من المرات أيها الغروب و قد بعثت فى لحظات من  الحنين و الشجن لحلم لم تتوج .. و عشق لم ينتصر ...



يا مطر الشتاء .. بالله عليك لم تراودنى دائما هذه الأحاسيس كلما سقطت على مظلتى و كتفى و أنا فى طريقى أسارع الخطى للأحتماء منك .. أحاسيس الوحده القاتله التى تذكرنى دائما أنه كان لابد يوما من وجود شخص هنا تحت نفس المظله ... تلتصق كتفه بكتفى لنخطو خطواتنا سويا فى نفس الطريق ...

ايتها الموسيقى الحالمه .. كم من المرات حركتى فى نفسى حنين و اشتياق .. و لوعه على الفراق ... و أيام من الحزن على ما فقد و لم يكتمل ...

أيها الطريق .. لا حاجه لك فى أن أذكرك كم هى عصيبه لحظات السفر ... حينما تترك قلبك خلفك و تسافر ... مسافر بلا جوف ... لتشعر برياح الخوف تشق ذلك الخواء داخلك كلما تقدمت فى طريق السفر و المجهول .. تقطعك ألام الأشتياق أربا .. و تتركك جسدا بلا روح
 ...  ..
و الأن ..
    ....
و قد أجتمعتم كلكم على مأساتى ... هيا أنتقموا منى مجتمعين ... كما اعتدتم من قبل كل على حده
... أخرجوا كل ما فى جعبتكم من السهام و صوبوها نحوى ... و لتكن معركتكم الأخيره... بلا مفاوضات ... و بلا هدنه.......
أرجوكم لا تستلذوا بقتلى كل على حده قتلا بطيئا ... لقد سئمت معركتكم الانفراديه الجبانه ...
ااااه ثم ألف ااااه من معركه جبانه ... انتهازيه ... تنفرد بى و بأحزانى على حين غره ...

هيا !! ... أنا على أتم أستعداد الأن لمصارعه تلك الذكريات داخلى ... هلموا بها على ... أجتمعوا و أرونى لأريكم ماذا أنا فاعل بكم ....

لا جواب !!! ..
صمت رهيب ....
الا من صوت ارتطام قطرات المطر ... و موسيقى بيتهوفن الحالمه محمله بالشجن تنبعث من السياره ...
كان لابد لها من أن تدق طبول الحرب !!


 ....و ها هى شمس الغروب و قد قاربت أن تتوارى كليا خلف ستار الأفق ... غير مباليه بأى نوع من التحدى معى ...
و ها هى أمواج البحر المتلاطمه أخذه فى الهدوء و بدأت تنحسر على الصخور معلنه الهدنه ...

كنت أعلم هذا ...

 ..كنت أعلم أن صراخى مهما علا .. فأنه سوف يموت داخلى ...
و لكنى أعلم أيضا أنه بعد هذه اللحظه ... لن تقوى هذه الطقوس على قتلى ببطء ثانيه .. لقد اتخذت مناعتى .. لقد جمعت كل أعدائى و واجهتهم ... لا سبيل لهم لملاقاتى وحيدا اذا ......
 ...هكذا كنت أحاول أن ألملم أشلاء نفسى ... المسكينه



كانت الشمس قد غربت تماما .... و بدأ المطر فى التوقف ... فاستدرت متوجها الى سيارتى .... ثم دلفت داخلها مستعدا للرحيل ... بعد أنتهاء معركتى مع طقوسى الحزينه ... بأعلان حاله من الهدنه  ...

أدرت محرك السياره و قررت الذهاب مستكملا طريقى ... مسافرا .. كما هو حالى دائما ...
... و فى الطريق ... و على نفس الشاطىء... كانت هناك العديد من السيارات الواقفه بجوار الشاطىء ... و قد خرج منها أصحابها ... أناس واقفون على الشاطىء .. يمارسون نفس الطقوس ....

طقوس الافتقاد
...

Sunday 6 November 2011

جولة الصراع الأخير

جولة الصراع الأخير

فى قلب المعركه .. لازلت أصارع المجهول ... و لو كان المجهول رجلا لقتلته ... أضرب سيفى فى الفضاء الواسع أمامى .. فيرتد الى مخضبا بالدماء ... يلفنى الظلام ولا أرى وجه ضحيتى .... و لا أرى عمق أصابته .. و لكنى أدرى أنى أصبت شيئا ما ...

تمتد معركتى الأزليه مع المجهول الى ان تخور قواى .. و تخلد نفسى الى الراحه بعد التعب ...و النوم بعض الوقت .. لكنى لم اتذوق بعد نشوه الانتصار على خصم مجهول .. استرجع فيها تفاصيل معركتى .. فأجد أنى لم أصيب شيئا ... الا حافه سيفى و قد أنهكها الكثير من الصراع .. و قد التوت مقدمتها الفولاذيه من حده الضربات ... و من قوه الخصم ...

استفيق من راحتى ... فأجد نفسى لا أزال أصارع ... لا أزال أشق بسيفى الفضاء .. لا أزال أتعب و أرتاح .. و ما من منتصر .. و ما من مهزوم ..
كنت على يقين بأنى قد لا أميز ملامح خصمى .. كنت على يقين أيضا بأننى لأ أعلم الغايه ان قتلته ...و لا أدرى الواقع ولا الدافع وراء كل هذا الصراع ... غير رغبه ولدت فى نفسى .. أو نفسى ولدت بها تدفعنى ألى الخوف من المجهول و مقاومته ... الى ان يقضى على التعب ...




 فى جوله صراعى الأخير ... أنهكنى التعب ... و أحسست بالوهن يدب فى ذراعى و أوصالى ... كما أحسست ببعد الأمل و الهدف و مدى استحقاقه للتضحيه ... فألقيت سيفى فى الفضاء الممتد أمامى ... علله يصيب بمقتل هذه المره .. علله ايضا لا يصيب فينال منى خصمى ... كل ما أردته كان انهاء هذه اللحظات المريره من المعاناه ... ألقيت سيفى ... و كا ما علمته أنه لم يرتد ألى هذا النصل المخضب بالدماء .. كما اننى لم يقاومنى أو يقتلنى أحد ... فلا زلت أتنفس !! .... عندها ... عندها فقط .. توقفت .. و انهارت قواى تماما و القيت بنفسى ارضا ... لأحلق فى الفضاء الواسع أمامى بلأالئه الممتده على فراش السماء ... وقعت ارضا ليس من هول التعب ... و لكن بعد أن اكتشفت اننى كنت أصارع خصما وهميا ... خصما عتيا ... قاتلنى دهورا ... قاتلنى , و قاتلته ... فقط .. فى خيالى ...


و النصل ... و الدم ..
كلها أصابات أحدثها صراعى مع نفسى ...
أحدثها ذلك السيف العنيد .. فى حامله الأعند ... فى معركته اللدود مع النفس ..

كم نتمنى أن نعرف عدونا ... بدلا من .. أن نصنع من أنفسنا العدو

جميل جدا أن نتصالح مع أنفسنا ... و نقبلها على علاتها .. و تناقضاتها ..

جميل جدا أن نهذب أنفسنا و نربيها على تقوى الله و الرضا بما قسمه لنا ... بعيدا عن صراعات الحياه ... التى لا تقتل الا النفس .. و كلها الى زوال ... انظر الى الفضاء الواسع امامك ... و صالح نفسك ...

للحريه طعم أخر ..... و وقت أخر

للحريه طعم أخر ..... و وقت أخر ...

أعشق نسائم الصباح .. حين يتسلل هذا الهواء البارد محملا بعطور الزهور و تغريد العصافير ... استيقظت فى صباح ذلك اليوم و كان لا يزال النوم يداعب جفونى ... و يأبى الا ان يتسلل النور رويدا رويدا على استحياء الى مقلتى ....

نفضت النوم عن فراشى ببطء ... خطوت بعض الخطوات حتى نافذتى .. و نظرت منها على حديقتى الواسعه امامى و على ذلك الينبوع الصغير الذى يمتد أمامها .. ثم ما لبست أن استلقيت على مقعدى مستندا بظهرى الى الوراء لأحظى ببعض اللحظات من الراحه .. أو الاستمتاع بكسل الصباح أن صح القول


القيت ببصرى على جانب السرير ...لأجد تلك السمكه تسبح فى عالمها الخاص الذى جهز خصيصا ليحتضنها .... فى حوض السمك ... سجنها الأبدى .. هكذا رأيته هذه المره .. أقتربت منها أكثر لكى أراها كيف تستقبل الصباح و القيت لها ببعض فتات الطعام .. فسبحت لتلتقمه .. ابتسمت لمرأى هذا .. و لكنى لا أدرى ان كان داخل هذه السمكه يبتسم أم لا .. أعلم حين يصيبنا الجوع ثم نأكل نشعر بنوع من السعاده و الأمتلاء ... هل يصيبك هذا الأحساس أيتها السمكه ... هل كل مشاكلك هى الجوع كل صباح أم لديك من الألام مالا يمكن أن يفصح به داخلك ؟

أنشغلت بسمكتى العزيزه فى محبسها القصرى ... و للمره الأولى أحس بنوع من السخط على نفسى لأنى أرتضيت لها هذا النوع من الأسر طيله عمرها بعيدا عن مملكتها الطبيعيه فى ينابيع المياه ....



كم ستكونين سعيده أيها السمكه حينما يتجاوز مجالك الملاحى هذه السنتيمترات القليله التى تسبحين بها ... كم ستشعر خياشيمك بالنشوه عند استنشاق الهواء الطبيعى بدلا من فقاقيع الهواء الاصطناعيه تلك التى تنفجر جوارك مفجره بداخلك كل مناحى اليأس ... كم ستتذوقين طعم الحريه الرائع فى فمك و انت تسبحين هنا و هناك مع رفيقاتك بعد طول عمر من الأسر



راودتنى كل هذه الافكار و أنا أنظر اليها و نتبادل النظرات و هى تلتقم وجبتها الصباحيه ... حزنت كثيرا بداخلى ... و قررت أن أطلقها لأحررها من كل هذا الهوان ... أمسكت بحوض السمك و أتخذت حينئذ ذلك القرار .. يجب أن تتحررين الى عالمك الحقيقى ... تبادلت معها نظراتنا الاخيره قبل ان اهرع الى حديقتى ... اشق خطواتى خلالها .. ثم استلقيت بجانب هذا الينبوع الصغير ... و القيت بسمكتى العزيزه داخله ... هيا ... انطلقى


لا أعلم أن كانت سبحت فى الهواء أم طارت ... و لكنه كان يبدو أنه أشبه بالمفاجأه بالنسبه لها .. قبل أن تستقر هناك فى ينبوع الماء ... لكنى لم أراها تسبح داخله ... بل تغطس !! تغوص لأسفل ....

ماذا بك ؟؟ّ!  لماذا لا أراكى مبتهجه تسبحين !
تملكنى الفضول لأتابعها بنظرى .. لكنى لم أتمكن من ملاحقتها حين غطست بعيدا .. فخلعت عنى ملابسى .. , و نزلت وراءها فى ينبوع المياه .. لأجدها تغوص لأسفل و أسفل ... بدون أى اراده فى السباحه أو النجاه ... قبل أن تستقر فى قاع الينبوع  .. بلا حراك ..


لحقتها ..اخذت احركها يمنة و يسارا .. و اقذف بها فى المياه لأستثير غريزه السباحه و البقاء فيها ... و لكنها كانت قد فقدت أى دافع للبقاء حتى ... كانت بلا حراك تماما .. الا من بعض الحركات فى خيشومها تلفظ بها أخر أنفاسها ... هالنى ما رأيت .... أنها تموت .... لماذا  ؟؟ !!!!

أخذتها بكل سرعه و صعدت بها الى سطح المياه .. احضرت حوض السمك فى عجالة و القيتها فيه .. هيا يا صغيرتى اسبحى .. بالله عليك افعليها !!! ... و لكنها أبت ان تسبح مره اخرى .... و استسلمت لترقد بجانب تلك الفقاقيع الاصطناعيه التى تنفجر بجانبها ... و بعض الأصداف ... و بقايا فتات الطعام ....

سمكتى العزيزه ... لقد قتلتك صدمه الحريه ...لم تستوعبى فكره أنك قضيت عمرك كله حبيسه تلك الجدران الزجاجيه .... لم تستوعبى ما فقدتيه من عمرك بعيدا عن حريه حياتك التى منحك الله اياها ... فقدتى أى معنى للحياه ..و للحريه ... حينما منحت لك فى التوقيت الخاطىء ... ...

سامحينى ... سامحى عقلى البشرى المحدود ..

سمكتى العزيزه

كم تمنيت لو كنت أطلقتك مبكرا قبل أن يهدم العمر أمانيك ... أو كنت تركتك تستمتعين بعالمك الزجاجى حتى نهايه عمرك ...
سمكتى العزيزه .. لقد علمتينى .. أن
للحريه طعم أخر ... و وقت أخر ....

عالم القطار

عالم القطار  
كنت أسارع الخطى فى هذا الوقت من نهار صيف حار .... لعلى ألحق بالقطار فى موعده ... كنت مسافرا و قد حزمت حقيبه كبيره لذلك و حملتها فى يدى ... بالكاد أتحمل عبء حملها طوال الطريق .. و الشمس تبدو و كأنها قد تعامدت على رأسى تماما و لا يحمينى منها سوى قبعتى البائسه ...

كان العرق قد بدأ يتصبب على جبينى بغزاره .. و مما زاد الأمر سوءا هذه العاصفه الرمليه التى حملت كل أنواع الغبار فى وجهى فى هذا الطريق الصحراوى الجاف ....

و ها هى قد لاحت فى الأفق ..
محطه القطار أراها ها هى على مرمى البصر و قد أصطف المسافرين على رصيف المحطه و بجوارهم حقائبهم ... كل فى أنتظار رحلته و  أعينهم متعلقه بخط القطار متطلعين الى الأفق فى انتظار ملامح القطارات القادمه

و فجأه شق غبار هذه الصحراء نفير قطار قادم من بعيد ... تعالا نفيره موحيا بقدومه و قد بدأ المسافرين فى التأهب و كل بدأ فى حمل أمتعته فى يده استعدادا لركوب القطار و الرحيل

...
كنت لا أزال بعيدا ...

توقف القطار فى المحطه و بدأ المسافرين فى النزول منه و بدأ أخرين فى الركوب واحدا تلو الأخر .. تقريبا ركبوا جميعا حيث بدا الرصيف بعدها خاليا تماما الا من بعض الركاب المغادرين ...

أسرعت الخطى نحو محطه القطار .. لابد أنه قطار رحلتى و لا أريد ان أفوته .. حملت حقيبتى الكبيره فوق رأسى و بدأت فى الركض ... و عينى معلقه بشىء واحد فقط ... القطار ...
مرت بضع دقائق و أنا على هذا الحال ... و قد بدأت فى اللهاث و أنهكنى التعب ... و أنا أحارب الوقت للحاق بالقطار ... لم أكن أتمنى أن يطول نهار الصيف و الوقت بقدر ماتمنيت فى هذه اللحظه

...
ثم حدث مالم أكن أتمناه أبدا ... لقد أطلق القطار نفيره و بدأ فى التحرك ... كانت لا تزال تفصلنى عنه العديد من الخطوات !
أسرعت خطواتى نحوه .. بدأت فى الركض بسرعه .. تماما بمحاذاه مقدمه القطار لعلى أستطيع اللحاق به و القفز داخله



 ها أنا أجرى بمحاذاه عربه المقدمه و أقترب منها .. أركض و أركض ... كانت حقيبتى تمنعنى من الركض بسرعه أكبر .... نظرت الى أعين المسافرين داخل العربه .. لم يكونوا مهتمين بى ... فليس لديهم ما يقدمونه ... رأيت ذلك الشاب فى العربه الأماميه المكيفه بجوار صديقته ... و قد أحتضنها بذراعه و أخذا يتبادلان القبل فى رومانسيه ... عجيب أنت أيها القطار ... بداخلك مشهد على شاطىء الكاريبى و خارجك مسافر يلهث فى جحيم الصحراء و الصيف ...


استغرقت بضع ثوان مأخوذا من المشهد .. ثم ما لبثت أن أعدت تركيز أهتمامى على اللحاق بالقطار .. ها أنا ذا أقترب أكثر .. و .. اللعنه !!!! .. لقد سقطت حقيبتى من فوق رأسى ! ليس هو الوقت الملائم لمثل هذا أبدا ! .. توقفت للحظه لأجمع حقيبتى الملقاه خلفى ... التقطتها بغضب و سرعه ثم عاودت الركض ثانيه بكل ما أملك من قوه .. كانت قد فاتتنى العربه الأولى و العديد من العربات خلفها ... و ها أنا بالكاد أركض موازيا لمنتصف القطار ...

حاولت أن أفعل كل ما بوسعى لألقى حقيبتى بداخل أى من عربات القطار ثم ألقى بنفسى وراءها عبر أحد أبواب العربه .. و لكنى لازلت بعيدا و لا أحتمل مخاطره كتلك حتى أقنرب تماما من القطار ...


أقتربت أكثر من القطار و أنا أركض .. لمحت هذه العربه و بداخلها بعض المسافرين يهللون و يرقصون .. يبدو أنها أسره صغيره تحتفل مع طفلها .. أه .. يبدو أشبه بعيد ميلاد .. نعم هو كذلك ... عيد ميلاد لذلك الطفل الصغير و قد بدأ الكل يقبله و يوزعون الحلوى و المشروبات .. عيد ميلاد له .. و يوم وفاه لأملى فى مواصله الرحله .. لكننى لم أفقد عزيمتى بعد .. و لازلت أواصل الركض .. و بمنتهى القوه ..

كانت قد تجاوزتنى العديد من العربات و لم يتبقى غير القليل لألحق بأى منها .... أسرعت الركض بالقرب من أحد العربات و أقتربت منها بشده ...ها أنا على بعد خطوه صغيره ... ثم .......... بكل ما أملك من قوه ألقيت حقيبتى داخلها عبر أحد أبوابها ...

سقطت الحقيبه داخل العربه .. أخيرا جزء منى بالداخل .. يتبقى الجسد !!..

حقيبتى تنعم ببعض الظل و الهواء الرطب بالداخل .. و على أن ألحق بها .. يا ألهى .. بالكاد أتمكن من الركض ... لا استطيع اللحاق بهذه العربه أيضا و تركتها و أنا أتابع مؤخرتها فى حسره .. ما العمل .. حقيبتى بالداخل و لم يعد لدى خيار غير مواصله الركض و اللحاق بالقطار ....



أسرعت من ركضى .. ها أنا أقترب من العربه الأخيره .. أركض أركض أركض ... أنها فرصتى الأخيره ... وجدت داخل العربه مجموعه من الشباب يغنون بعض الأغانى  أخذت ألوح لهم .. عسى أن يمدوا لى يدا ليلتقطونى بداخل القطار و يشدوا من أزرى .. كانوا مشغولين تماما بغنائهم و احاديثهم ... لا أحد مهتم .. على أن أفعلها وحدى ... اننى ألمح باب العربه الأن .. كل ما فى الأمر قفزه كبيره ثم ... الى الداخل ...

جمعت كل قوتى فى هذه القفزه .. و ألقيت بنفسى نحو الباب ... ثم .. لم أدرى بجسدى الا و هو يتهاوى بعنف على رمال الصحراء و قد تدحرج العديد من الأمتار و لفنى الغبار ...بالقرب من طريق القطار ..
كانت الأتربه قد غطت وجهى تماما .. و أتسخت كل ملابسى ... كنت ألهث بشده .. و أنا أستند على ركبتى و قد تعلقت عينى بالقطار المبتعد فى قلب الصحراء ..نظره يملكها الحسره .. و التعب ...



نظرت ألى مؤخره القطار .. و رأيت ما زادنى حسرات فوق الحسره و تعب فوق التعب ..

انه ليس القطار المنشود !!
فاللوجه المكتوبه على مؤخره القطار تحمل أرقاما غير تلك التى أنشدها...
.. كيف لم أتحقق من هذا ! ..
نظرت أمامى لأودع القطار بنظرى و قد أحتضن حقيبتى بداخله ...
ثم نظرت خلفى لأجد نفسى قد أبتعدت كثيرا فى قلب الصحراء بعيدا عن محطه القطار ...
و قد لمحت شيئا هناك بجوار المحطه .. أنه قطارى ... واقفا على رصيف المحطه و هو يتأهب للرحيل بعد قليل ...

لا أعلم اذا كان بأمكانى اللحاق به .. و أن استطعت فسيكون بدون أمتعه .. بدون متعلقات نفسى ... و بدون كبرياء السفر ....


القيت بنفسى على رمال الصحراء .. استريح مما عانيته فى هذا اليوم العصيب ...

لقد أنشغلت كثيرا بالناس و تبعتهم على غير هدى بدون تدبر .. و بدون التحقق من هدفى .. هذا هو ما أدى الى حالى الأن ...

لقد انشغلت أيضا بمتابعه أحوال الناس داخل القطار عن متابعه أحوالى أنا و التحقق من رحلتى .. و هم كانوا فى انشغال تام عنى ولا يهمهم أمرى... هذه هى الدنيا .. هكذا تعلمت هنا على رمال الصحراء .. لا تغرك زينه ما تراه و اقبال الناس عليه .. فقد لا يصلح لك و يكون سبب معاناتك ...

كما لا تنشغل بمتابعه أحوال الناس حتى لا يزيد همك .. أنشغل بنفسك .. و تحقق من هدفك ..  ... ....

 
 
 

Saturday 5 November 2011

حلبة الصراع




كان المشهد مهيبا ... تتعالى الصيحات من حولى و أنا أقف فى منتصف تلك الحلبة الرومانية.... مجردا من ملابسى و حافى القدمين على رمال الحلبة الساخنة ... كنت قد خرجت للتو من معركتى مع ذلك
الاسد الضخم الذى أطلقوه معى فى نفس الحلبه ... كانت يداى مازالت مخضبتان بدمه بعد ان أغمدت نصل خنجرى فى قلبه تماما ليطلق حشرجته الأخيره قبل ان يهوى صريعا ... كنت أقف منتصبا ناظرا
فى اعين الجمهور فى مدرجات الحلبه ... و قد استقرت عند قدمى جثه امبراطورهم .. فقد صرعته بنفسى بعد ان نزل من منصته ليصارعنى بنفسه ... هو لم يتقبل أبدا حقيقه اننى قد صرعت وحشهم الذى
طالما قتل به الابرياء من قومى فى حلبتهم اللعينه تلك ... هو لم يعجبه فكره اننى قد انال حريتى و اتحرر من العبوديه ..  نزل الى و قد طار عقله و تناول سيفه لينازلنى و لم يفلح حراسه فى منعه ...
فقد استشاط غضبا منى ... تقاتلنا للحظات .. قبل ان أرديه صريعا و خنجرى مغمدا فى منتصف صدره ... فى مشهد تعلقت به عيون الجميع و سيبقى فى اذهان الرومان لعقود ...


لن أنسى ابدا أعين الامبراطور الابن .. و هو يقف فى تلك المنصه مشدوها بعد أن قتلت ابيه ... كنت اتوقع ان الحق بالامبراطور الصريع فى لحظات بعد ان يصوب الحرس الامبراطورى سيوفهم و
حرابهم نحوى .. كانوا منتظرين اشارة واحدة من يد الامبراطور الابن ... ولكن شيئا من هذا لم يحدث .. فقد تركنى لسبب لا أدريه ... ربما خوفا من ثوره بقيه العبيد من أبناء قومى عليهم .. حيث كانت
قد اخذتهم الحماسه تماما من هذا المشهد ... او ربما كان الامبراطور الابن راضيا تماما عما يحدث ... فقد كان والده الامبراطور يرغب فى توليه ابنه الاصغر من بعده ... و ليس ابنه الأكبر الذى ينظر
الى الان بنظره اختلطت فيها المشاعر ... لا أعلم ان كان يكرهنى او يشكرنى ... و لكنى أعلم فى قراره نفسى انه كان مرتاحا جدا لازاحه حلم أخيه الصغير فى توليه العرش الامبراطورى .. و ازاحه
أبيه بالطبع ..


تأملت فى وجوه جميع الحاضرين للحظات ... وسط كل هذا الضجيج الذى لا أكاد أميز منه شيئا .. وقفت مستذكرا و متعجبا للحال الذى قد وصلت اليه ... مسترجعا مقتطفات من الماضى القريب .. حيث تم
أسرى أنا و جميع ابناء قومى عن طريق هذا الامبراطور الظالم .. و تم الزج بنا فى سجونه للعمل كخدم و عبيد .. و من أراد منا حريته .. فليصبح أداه لتسليتهم فى حلبة الصراع .. فليواجه وحشهم .. اما أن يراوغه و يصرعه .. كما فعلت انا ... أو يقتل .. و أما أن يتفادى الخوض فى مثل تلك المباريات و العيش كعبد طيله حياته ...

أستفقت من خضم شريط ذكرياتى تلك ... كنت أقف فى حلبة الصراع ... و خلفى العديد من أبناء قومى يتطلعون الى .. كانوا ينتظرون دورهم فى المصارعه.. يلتف الحرس الامبراطورى حولى مصوبين سيوفهم و اسنه رماحهم الى صدرى العارى ... يقف الامبراطور الابن هنالك فى المنصه وسط المدرجات ... وقفت فى منتصف الحلبه متطلعا اليه .. بنظره ملأها التحدى .. لأرى ماذا هو فاعل بى ...
 .


و الأن .. و قد قتلت امبراطورنا الحبيب... فأنا قد اتفهم هذا على أنه كان رد فعل تلقائى منك على حاله الفزع التى كنت فيها ...  بحكم حماستك بعد صراعك مع الأسد .. اتفهم ذلك ... و عقوبتك بعد قتل امبراطورنا العزيز عى الاعدام المستحق .. و لكنى لن أفعل ذلك .. لن أقتلك .. سوف تجعلك تجنى بنفسك حصيله اختياراتك .. انت أردت المصارعه و الحريه .. لك ما أردت .. أنت من ستحدد مصيرك بنفسك ... ليس مصيرك وحدك .. بل كل قومك سيتبعوك '' كان هذا ماقاله الأمبراطور الابن أمامى ... ثم أردف قائلا : أنظر هناك فى نهايه الحلبة .. أمامك طريقين تراهما أمامك .. عليك ان تسلك احدهما و سيتبعك قومك فيه .. فى أحد الطريقين هلاككم .. و فى الأخر النجاة.. لك مطلق الحريه فى اختيار أى طريق تسلك .. و لن أتعرض لك أو لأى من قومك ... قالها .. ثم ران صمت رهيب على المكان ..

أنه الأن يخيرنى بين أحد طريقين اسير فيه .. ليس وحدى فقط بل سيتبعنى قومى .. قد ننجو .. و قد نهلك جميعا ! قلت هذا فى نفسى و انا أستمع الى همهمات حاله الجدل التى خلقها الامبراطور تأتى من خلفى .. أنهم قومى يتشاورون فيما بينهم .. رجعت اليهم لأسمع ماذا يقولون .. فوجدتهم قد انقسموا الى اراء عدة .. بعضهم بدا فى السخط على تهورى و الموقف الذى وضعتهم فيه .. بعد ان كانوا ينعموا بحياتهم امنين و الان يحدق بهم خطر الموت ...وجدت البعض منهم يدفعنى الى أن أسلك احد الطريقين و الاخر يدفعنى ألى الطريق الأخر.... فوقفت بينهم و قلت لهم أنتم أردتم الحريه و لولا هذا ما كنتم فى هذه الحلبه الان .. الحريه .. انسيتم هدفكم الاسمى ! فلنسلك اى من الطريقين بأختيارنا و نتمتع بحريتنا .. ثم نحدد اختياراتنا فيما بعد .. نتخلص من ذل العبوديه اولا ... أنتم أخترتم الحريه و ستفعلون اى شىء لبلوغها .. هل انا محق ؟  


  يبدوا ان كلامى قد اعاد الكثير منهم الى رشدهم فها انا ألمح الاصرار فى أعينهم من جديد ... ..

نظرت بطرف عينى الى جموع الحاضرين فى المدرجات ... فوجدت منهم من يهتف بصوت عال : هذه الحرية التى اردتها ..لك ما أردت ..ثم قهقه بصوت أعلى .. و قف أخر و قال : سيدى الامبراطور ..نحن نعرف نك الحكمه و الرحمه بالضعفاء من أبناء شعبك .. فأننى أسألك ان تعفو عنه و عنهم من عذاب هذا الاختيار .. على أن يعيشوا عبيدا طيله حياتهم و لا يفكرون ابدا فى حلبات الصراع .. فوحدك هو القادر على ضمان امنهم و حمايتهم و اختيار الاحسن لهم ليتمتعوا بالامن فى امبراطوريتنا العزيزه

فكر الامبراطور قليلا ..ثم قال .. هم يريدون الحريه ..حريه اختيارهم .. و لهم ما أرادوا .. و لذلك فكل الخيارات متاحة امامهم ...
قالها الامبراطور الابن .. و أنا أنظر فى اعين رفقائى من ابناء قومى لألمح منهم نظره الصمود تلك على مواصله ما بدأناه ...


فاتخذت قرارى على مواصله صراعى من اجل الحريه .. فقد قتلت وحشهم من قبل .. و أمبراطورهم نفسه من بعده .. و لن يعيقنى شىء عن بلوغ هدفى ..

قلت ذلك فى قرارة نفسى .. و لكن كان أسفل قدمى ينتفض من سخونه رمال حلبه الصراع .. و قد انعكست اشعه الشمس الذهبيه عليها لتزيدها سخونه .. و تزيد الموقف التهابا ..

كنت عاريا ... حافى القدمين .. محاطا بالحرس الامبراطورى من الجانبين .. مستمعا الى بعض نداءات قومى من الخلف كل حسب اهواءه يحاول ان يدفعنى الى احد الطريقين .. سمعت تلك الصيحات من حشود الجماهير فى المدرجات .. تحاول ان تثنينى عن عزيمتى لأرجع مره اخرى و أعلن قبولى العيش كعبد ثانيه ... كانوا كلهم من المستفيدين من الامبراطور السابق .. حاشيته و عليه القوم .. فقد كنا نعمل عبيدا و خدما فى بيوتهم و قصورهم .. هم بالتأكيد لا يريدون لنا ان نتزوق اى طعم للحريه بعيدا عنهم ..
كان ذلك قبل ان أكسر حاجز الصمت داخلى .. و أجرى مسرعا باتجاه احد الطريقين ... رفعت رجلى المتشققتين الملتهبتين من شده الحراره و ركضت مسرعا ...

و لكن ما هذا !!?!
أنهم جنود الحرس الامبراطورى يثنونى عن مواصله الركض فى اتجاه احد الطريقين و الذى كنت قد اخترت الركض نحوه .. يدفعوننى بعيدا باسنه رماحهم المصوبه نحوى ... تفاديتهم العديد من المرات ثم قررت الركض فى اتجاه الطريق الاخر .. فانا أريد الخروج من  الحلبة باى طريقه .. و انا على يقين انى سأتجاوز ما سألاقيه فى اى من الطريقين بحريه ارادتى و تصميمى .. فقط على الخروج من هنا ...


و لكن ...
ها هم مجموعه من الحرس يدفعونى ايضا بعيدا عن هذا الطريق الاخر .. كنت اقفز ركضا فوق حبيبات الرمل الساخنه و انا احاول ان اتفادى اسنه رماحهم بصعوبه .. عللى ابلغ بدايه اى من الطريقين ..
ظللت هكذا ادور فى حلقة مفرغه الى ان انهكنى التعب و سقط أرضا ..
تعالت الضحكات فى المدرجات .. و بدا لى للحظه ان وجه الامبراطور الممدد صريعا امامى يبتسم .. يبدو شامتا .. لم أعر لهذا انتباها .. .. كان الامبراطور الأبن ترتسم على شفتيه أبتسامه الثقه و هو
ينظر ألى مستشاريه كمن يقول لهم ألم اقل لكم ؟
استجمعت قواى و وقفت ثانية .. واجهت الامبراطور الجالس فى منصته .. ثم قلت له : سيدى الأمبراطور .. أى حريه اختيار تلك التى كفلتها لى ؟ نريدها معركة عادلة .. فلتجعله  صراعا شريفا بعيدا
عن انهاك قواى فى معركه انت تعرف انها خاسرة قبل ان تبدأ ... أريد بعض الملابس التى تكسى جسدى و اريد نعلا ... كما ينبغى عليك ابعاد جنودك عنى لأنعم بحريه الاختيار و تقرير مصيرى ...
فرد الامبراطور مسرعا و مستعجبا : كيف تريد أن تنعم برغد الحرية قبل ان تنالها ؟ كيف تريد الكساء و النعل و انت لم تقطف ثمار حريتك بعد و لم تتعب من اجلها ؟ كما اننى لا يمكننى ان ابعد الحراس عنك .. وجودهم هنا ليحمى النظام و يمنعوا الفوضى ... لقد قتلت أمبراطورنا العزيز للتو .. لم يتبق لنا ألا هذا الحرس ليحمى امبراطوريتنا .. اتريد ان ابهدهم عنك لتهجموا علينا ايها الغوغاء !
أنت بأفعالك هذه تالبهم علينا !!!!
قالها الامبراطور ... و تعالت صيحات التأييد من الجمهور فى المدرجات .. كل يسبح بحكمته المنشوده .. و يستنكرون ما اقوله .. يقولون اننى اريد ان أحيل أمبراطوريتهم الى جحيم من الفوضى .. هذا ما
جلبه لهم فعلى الاحمق .. هذا ما جلبته لهم حريتى ....
نظرت خلفى لأجد وجوه قومى البائسه المتعطشة للحريه .. هم لم يريدون لى هذا . اعلم يقينا انهم قد هللوا فرحا لمصرع الامبراطور الطاغيه .. و الذى طالما نكل بهم .. باخوانهم و ابائهم .. لكنهم لا
يرون اى نتيجه لهذا الأنتصار .. غير اننى وقفت بهم بين طريقين .. ولا نستطيع حتى ولوج احدهما .. ولا زال الامبراطور الابن يسلط حراسه علينا لينهك قوانا و نستسلم ...

استجمعت الباقى من قواى و اعدت الكرة مرة اخرى ... أركض سريعا و اقفز .. بالكد المس الرمال الملتهبه تحت قدمى المشققتين .... أركض بكل قوه و أحاول مراوغة الحرس من حولى .. و لكن كانت
اسنة رماحهم تسبقنى دائما .. لتحيدنى عن طريقى .. و تدفعنى فى اتجاه اخر متفاديا حرابهم المشهرة فى صدرى العارى .. و هكذا دواليك ..
كان الامبراطور الابن منتشيا فى مجلسه و هو يلمح ذلك الصراع عديم الجدوى .. كان يعلم فى قرارة نفسه اننى سوف تخور قواى مع الوقت فى حلقة الصراع الغير منتهية تلك .. سوف أسقط و اتضرع
اليه أن أعيش عبد عنده مرة أخرى لأحظى ببعض الامان و الراحة من هول هذه المجازفة ..
ابتسامه الواثق تعلو وجهه و انا اسقط ارضا للمرة الثانية .. أبتسامه الشماته أراها على وجه ابيه قبل أن يتجاور وجهانا و انا اسقط أرضا .. و نظرات من الاسى  و الحسرة فى أعين رفاقى من
مصيرى المحتوم و فرحتهم التى لم تكتمل


 ...
كنت ألهث بشده و منهك القوى تماما .. لكننى تمكنت من الوقوف ثانية ... فى هذه المره لم أواجه الحلبه فى أتجاه الطريقين  .. بل وقفت مواجها الامبراطور تماما .. لم أقف لأطلب منه بعض مبادىء
الصراع العادل .. ولا أستجديه للعودة كعبد للأحتماء برغد الحياة الأمنه ...
فى هذه المرة .. وقفت منتصبا و فى عينى كل التحدى .. لم تكن فى عينى وحدى .. بل تبدلت تلك النظرة البائسه فى أعين قومى أيضا و حلت بدلا منها نظرة يملؤها التحدى و الصمود ..  ..
... بتادلنا مع بعضنا بعض النظرات القصيرة ... قبل ان ننطلق جميعا نركض فى نفس الاتجاه .. اتجاه المنصه و المدرجات .. و تعالت صيحاتنا و بدا الامر على أنه صراع ضروس بين طرفين


صدور عارية متعطشه للحريه ... و سهام انطلقت فى السماء .. لا اعلم فى صدور من سوف تستقر






...
و لكن
.. خلف كل تلك السهام المنطلقة ..
 كنت أرى الشمس
 ...
. ....
.