كنت أبدو غريبا .. و أنا أقف فى هذا الوقت من الغروب على شاطىء البحر فى يوم من أيام الشتاء البارده... ممسكا بمظلتى فى يدى محتميا بها من قطرات المطر التى بدأت فى التساقط ... مختبئا خلف معطفى الثقيل .. و أنا أنظر الى امواج البحر المتلاطمه أمامى .. و من بعيد تلوح الشمس فى الأفق و هى تهبط الى مرقدها اليومى خلف الأفق و قد اصطبغت باللون الأحمر الداكن البديع .. لتضفى على المشهد لحظة مهيبة من التأمل و التفكير ....
كنت قد أوقفت السياره خلفى و كانت لا تزال ابوابها مفتوحه و ينساب من داخلها صوت الموسيقى ... كانت واحده من أروع سيمفونيات بيتهوفن .. تنساب الموسيقى من جنبات
...السياره لتتلقفها اذنى بالمزيد من الشغف
هى طقوس لم أعتادها مجتمعه من قبل ...
لحظات الغروب ... أمواج البحر ... أمطار الشتاء .... لحظات السفر ....و الموسيقى الحالمه...
كل هذه الطقوس .. كانت كل واحده منهن كفيله بأن تجعلنى غارقا فى التفكير لساعات و ساعات ... مسترجعا كل خطا و أحزان الماضى ... مستذكرا وعودا و أحلاما لم تكتمل .. و جاعله العديد من الذكريات البعيده تطفو الى سطح ذاكرتى و كأنى فارقتها بالأمس ..
كانت كل من هذه الطقوس تنتقم منى شر أنتقام ... كل على حده .. العديد من المرات و على مدار السنين .... لتحيل سعاده لحظاتى الى ألم و أشتياق ... و غربه و افتقاد .. لأحلام و و أيام عشتها و لم يشأ لها الله أن تكتمل.. و قادتنى الأقدار ألى نهايات لم اكن احسب لها اى حساب ...
لم أكن احتاج الى مرآه لأنظر أليها لأعلم كم تغيرت كثيرا فوجهى به تجاعيد أقل بكثير مما يحمله داخلى ..
لم أكن احتاج الى مرآه لأنظر أليها لأعلم كم تغيرت كثيرا فوجهى به تجاعيد أقل بكثير مما يحمله داخلى ..
و الأن كل هذه الطقوس قد أجتمعت على فى تلك اللحظه ... و أنا اردتها كذلك ... لأنهى معاناه سنين من القتل البطىء ...
أيها الغروب ... كم قضيت من السنين أتأملك .. و الشمس تودع النهار وداعها اليومى لتذكرنى دائما بأن لحظات الشروق لابد لها من انتهاء .. و أن نظريه الكون و الوجود قائمه على التغيير و الدوران .. لا على الثبات و الدوام ... كم من المرات أيها الغروب و قد بعثت فى لحظات من الحنين و الشجن لحلم لم تتوج .. و عشق لم ينتصر ...
يا مطر الشتاء .. بالله عليك لم تراودنى دائما هذه الأحاسيس كلما سقطت على مظلتى و كتفى و أنا فى طريقى أسارع الخطى للأحتماء منك .. أحاسيس الوحده القاتله التى تذكرنى دائما أنه كان لابد يوما من وجود شخص هنا تحت نفس المظله ... تلتصق كتفه بكتفى لنخطو خطواتنا سويا فى نفس الطريق ...
ايتها الموسيقى الحالمه .. كم من المرات حركتى فى نفسى حنين و اشتياق .. و لوعه على الفراق ... و أيام من الحزن على ما فقد و لم يكتمل ...
أيها الطريق .. لا حاجه لك فى أن أذكرك كم هى عصيبه لحظات السفر ... حينما تترك قلبك خلفك و تسافر ... مسافر بلا جوف ... لتشعر برياح الخوف تشق ذلك الخواء داخلك كلما تقدمت فى طريق السفر و المجهول .. تقطعك ألام الأشتياق أربا .. و تتركك جسدا بلا روح
... ..
و الأن ..
....
و قد أجتمعتم كلكم على مأساتى ... هيا أنتقموا منى مجتمعين ... كما اعتدتم من قبل كل على حده
... أخرجوا كل ما فى جعبتكم من السهام و صوبوها نحوى ... و لتكن معركتكم الأخيره... بلا مفاوضات ... و بلا هدنه.......
أرجوكم لا تستلذوا بقتلى كل على حده قتلا بطيئا ... لقد سئمت معركتكم الانفراديه الجبانه ...
ااااه ثم ألف ااااه من معركه جبانه ... انتهازيه ... تنفرد بى و بأحزانى على حين غره ...
هيا !! ... أنا على أتم أستعداد الأن لمصارعه تلك الذكريات داخلى ... هلموا بها على ... أجتمعوا و أرونى لأريكم ماذا أنا فاعل بكم ....
لا جواب !!! ..
صمت رهيب ....
الا من صوت ارتطام قطرات المطر ... و موسيقى بيتهوفن الحالمه محمله بالشجن تنبعث من السياره ...
كان لابد لها من أن تدق طبول الحرب !!
....و ها هى شمس الغروب و قد قاربت أن تتوارى كليا خلف ستار الأفق ... غير مباليه بأى نوع من التحدى معى ...
و ها هى أمواج البحر المتلاطمه أخذه فى الهدوء و بدأت تنحسر على الصخور معلنه الهدنه ...
كنت أعلم هذا ...
..كنت أعلم أن صراخى مهما علا .. فأنه سوف يموت داخلى ...
و لكنى أعلم أيضا أنه بعد هذه اللحظه ... لن تقوى هذه الطقوس على قتلى ببطء ثانيه .. لقد اتخذت مناعتى .. لقد جمعت كل أعدائى و واجهتهم ... لا سبيل لهم لملاقاتى وحيدا اذا ......
...هكذا كنت أحاول أن ألملم أشلاء نفسى ... المسكينه
...هكذا كنت أحاول أن ألملم أشلاء نفسى ... المسكينه
كانت الشمس قد غربت تماما .... و بدأ المطر فى التوقف ... فاستدرت متوجها الى سيارتى .... ثم دلفت داخلها مستعدا للرحيل ... بعد أنتهاء معركتى مع طقوسى الحزينه ... بأعلان حاله من الهدنه ...
أدرت محرك السياره و قررت الذهاب مستكملا طريقى ... مسافرا .. كما هو حالى دائما ...
... و فى الطريق ... و على نفس الشاطىء... كانت هناك العديد من السيارات الواقفه بجوار الشاطىء ... و قد خرج منها أصحابها ... أناس واقفون على الشاطىء .. يمارسون نفس الطقوس ....
...